Topics

حفنة تراب

وإن الأشهر العديدة التي مرت على المسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة كانت تستنفد الصبر، إذ هاجر من هاجر إلى المدينة وقد ترك ماله وأهله كلهم  في مكة، وكانت تواجههم صعوبات تخص القيام على البيت بجانب المشكلات المالية. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد المواخاة بين المسلمين من أهل المدينة وبين المهاجرين من مكة إليها، وضرب أنصار المدينة أروع الأمثلة للإيثار والإخلاص، حيث قدم كل مسلم من الأنصار نصف مال وضياعه إلى أخيه المهاجر.

ثم نشأت فجوة بين المسلمين واليهود، فاستغلتها قريش، وضمت اليهود إليها. واستعد يهود المدنية للوقوف بجانب قريش حين الحاجة إليه. وكان اليهود يتمتعون بمكانة اقتصادية قوية الدعائم، يسيطرون على الأسواق. و وضعت قريش خطة لتضيق الخناق على المسلمين اقتصادياً، وفرضت حصاراً اقتصاديا على المدينة، فتوقف وصول المواد الغذائية وغيرها من الحاجيات إلى المدينة مما جرَّ على أهلها المجاعة.

وضاق المسلمون ذرعاً بعداء قريش وشرورها، وتوصلوا إلى منع  القوافل التجارية لقريش من أن تمر بنواحي المدينة. وحالفوا مع القبائل الحرة التي كانت تشرف على الممرات التجارية، وفرضوا الحظر على القوافل المارة بها. فلما تعرض بعض القوافل التجارية لمثل هذه الأوضاع، قلقت قريش قلقاَ شديداً. و خرج أبوسفيان بقافلة تضم مئتى بعير تحمل البضائع، فبلغ أهلَ مكة أن المسلمين  يستعدون لنهبها. و خلقت هذه الشائعات في قلوب قريش ذعراً شديداً.

فخرج جيش قريش بإبل وخيول لايحصى عددها، وشارك سراة مكة في هذا الجيش، وتولى أبوجهل إعداد الجيش وإثارة عواطف الثأر من المسلمين. ثم إن أبا سفيان أفلت من المسلمين، وخرج سالماً بعيره إلى مكة، فلما بلغ الجيش ذلك عرضوا علي أميرهم ـ أبي جهل ـ  العودة إلى مكة، ولكنه قال: سنحتفل في جوار المدينة، ليسمع بنا أهلها فلايزالون يهابوننا أبداً. وتسرع القبائل التي حالفت المسلمين إلى نقض عهدها معهم، كما وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا.

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مؤامرة أبي جهل و عزائم أهل مكة، فجمع المسلمين، وأعلن تخييب سعي أبي جهل، فقام أبوبكر وعمر ـ نيابة عن المهاجرين ـ وأيدا رأيه، وقام عن أهل المدينة ـ المقداد بن عمرو، وقال: امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة: 24] فوالذي بعثك بالحق سوف نجالد معك ونضحي بنفوسنا لك.

 فخرج رسول الله صلى الله على وسلم في رمضان من عام 2هـ ومعه 313 متطوعاً من المسلمين، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان و الثلاثة على بعير واحد، حتى نزلواعلى عين بدر على بعد ثمانين كيلو من المدينة، ثم نزلت قريش بعدتها وعتادها الكامل على العدوة الأخرى من الوادي. وأسَرَت الدوريةُ الإسلامية الاستكشافية رجلين من مكة، واستبثَّت منهما أخباراً هامةً، وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله المسلمين بمشورة من حباب بن المنذر. وتقدموا و سيطروا على ماء العين.

واستعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ميدان الحرب ومعه أصحابه، وبلغ مكاناً فقال: هذا مصرع أبي جهل في الغد، ثم مشى خطوات وقال: هذا مصرع عتبة. وهكذا أخبر أصحابه بمصارع سراة قريش.

ثم أنزل الله المطر في الليلة نفسها، فتصلبت به الأرض التي نزلها المسلمون، وأصبح مكان الكفار وحلاً شديداً. قال الله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال/11]

وثم بُنِيَ للنبي صلى الله عليه وسلم عريشٌ على تلٍ مرتفع يقع في خلف ميدان القتال، واتخذ مقراً للقيادة، وكان صلى الله عليه وسلم يشرف منه على الجيشين بسهولة.

وفي الصباح التالي نزل جيش قريش في كبر وخيلاء في الوادي، فتبين  لعتبة بن ربيعة أن كبرأبي جهل وأصحابه وغطرستهم سيؤدي إلى إراقة الدماء، وقتل الأقارب والأرحام. فقال لقريش: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه ـ  شيئًا، والله لئن أصبتموه لايزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلُّوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم. وكان عتبة يركب جملا أحمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين رآه: (إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يَرْشُدُوا). و تفادياً من تأثير قول عتبة في الناس قام أبوجهل فدعا: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لانعرفه، فأحِنْه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك و أرضى عندك فانصره اليوم.

و رداَّ عليه القرآن الكريم في الآية 19 من سورة الأنفال حيث قال الله تعالى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)

واصطف الجيشان في 17 من رمضان، وخرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قبل بدء المعركة ـ بين يدي ربه ساجداً قائلاً: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُيَلائها وفَخْرها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لم تعبد بعد اليوم أبدًا). وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه. وضرب الله تعالى النعاس على النبي صلى الله عليه وسلم والجيش الإسلامي كله، فلما أفاقوا رأوا جيش قريش قليلاً.

قال الله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [آل عمران/13]

وكان الفريقان يرى بعضهم أقل عدداً، قبل بدء المعركة، فلما بدأت رأى الكفار المسلمين أكثر عدداً، وملئت قلوبهم هيبةً ورعباً.

وبدأت المعركة، فنزل ثلاثة من جيش قريش ـ كما هو دأب العرب في غزاتهم ـ وبارزوا المسلمين. وكان عتبة معارضًا للحرب، ولكنه نزل في ميدان المعركة برفقة أخيه شيبة، وابنه الوليد، وقال: هل من مبارز ؟ فخرج من الجيش الإسلامي ثلاثة من الشبان. فأبى فرسان قريش ـ الذين غلبهم الكبر والخيلاء ـ قتالهم وقالوا: أكِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقام حمزة وعلي وعبيدة  فَقَتَلوا الثلاثةَ. وجرح عبيدة بضرب شبية. فاحتمله علي من ميدان المعركة، فلما رأى الكفار ثلاثة من خيرة فرسانهم مثخنين بالجروح، نادوا أصناهم وتقدموا يخترطون سيوفهم، و نزلوا المعركة، وبدأت الحرب بينهم.

وانهزمت قريش في الحرب، واضطر الكفار إلى المررو بالأرض الرملية الوعرة ليصلوا المسلمين. وكان اصطفاف المسلمين على أرض صلبة و ممهدة نسبياً. وعندما بدأ الكفار يرتبون صفوفهم للحرب، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء، فاستقبل بها قريشًا وقال: (شاهت الوجوه) ورمى بها في وجوههم، فطارت هذه الحصا في الهواء وتحولت عاصفة، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، ونسب الله تعالى رميه هذا إلى نفسه أنزل الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال/17].

ونزلت الملائكة من السماء في بدرعوناً للمسلمين، وخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي ربه ساجداً يتضرع إليه، ويدعو، ثم قال لأبي بكر: (أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله).

قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الأنفال/9]

وحمي وطيس الحرب في بدر، وصعب التنبأ بالهازم من المهزوم لبعض المدة. وفجأة تغير وضع الحرب في صالح المسلمين، و رغم أنف القيادات البازرة المستأهلة من قريش، وقُتِلوا في الحرب. وقُتِل أميرها أبوجهل، فتشتت شمل الكفار، وانفرط عقد وحدتهم، وسكن حماسهم، وتثبطت همتهم، وعجزوا عن مواصلة الحرب، وخارت قواهم، فلاذوا بالفرار من المعركة، وأسِرَت أشراف قريش، وقتل منهم سبعون، و عدد كبير منهم أسروا. وقُتِل من المسلمين أربعة عشر، ولحق النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه نصر من الله تعالى.

وإن المخلوقات تتبادل المعلومات. وإن الكون كله عائلة تتكون من تتبادل المعلومات. والجن والملائكة من المخلوقات، أكثر منا ألفةً وأنساً. والخيالات التي تعتورعلى أذهاننا إنما نتلقاها من الأنظمة الأخرى و معموراتها. وتنتقل هذه الخيالات إلينا عن طريق النور.

وإن العلاقة بين الأنظمة المجرية وبيننا قوية للغاية. وثمة قدر يشترك فيه أساليب تفكير المخلوقات. ويرتكز هذا الاشتراك في ثلاثة أنواع من التفكير. وعبر عنها القرآن الكريم بـ"الإنسان"و" الملك "و"والجن ". فهؤلاء الثلاثة لايخلوعنهم نظام من الأنظمة المجرية في الكون.

والإنسان يعيش في كواكب لاتحصى ولاتعد، ويفوق أقسامه التصورَ والقياس. وقُلْ مثل ذلك في الملائكة والجن.

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان قبل خلق هذا الكون ؟ فقال: إمعاء".

قيل: ثم ماذا كان بعده ؟

قال: ماء.

و"الإمعاء" في المصطلح العربي عبارة عن "المنفية " التي تفوق العقل الإنساني. و "الماء" في العربية ـ عبارة عن "المثبتية" التي تمثل أساس الكون. وهذه "المثبتية " عبارة عن عالم الأمر. و"الإمعاء" التي تطلق عليه في العربية "ما وراء الوراء" يعرف بـ "عالم النور". والحد الأقصى الذي  ينتهي إليه التفهيم والتعليم البشري يطلق عليه في الاصطلاح " الحجاب المحمود". والحجاب المحمود عبارة عن المعالي التي يرادبها نهاية العرش الأعظم وإن كمال معراج النقطة الذاتية البشرية أن يُعَوِّد إدراكه تفهيم الحجاب المحمود، ويستوعب هذه الصفات الإلهية التي تعمل في هذه المعالي. وهذا العالم يعجزعن الوصول إليه الملائكة المقربون. والحد الذي يصل إليه الملائكة المقربون يطلق عليه "سدرة المنتهى ". والملائكة المقربون لايتجاوزون سدرة المنتهى. وتحت سدرة المنتهى علو آخر، ويطلق على امتداد هذا العلو"البيت المعمور".

و الملائكة الذين يعيشون ويطيرون في حدود سدرة المنتهى والبيت المعمور ينقسمون على ثلاثة أقسام. قسم منهم يبقى بين يدي الله تعالى يسبح بحمده. وقسم يقوم بتبليغ أحكام الله تعالى إلى العالم. والثالث: من الملائكة من يحفظون أوامر الله تعالى في ذاكرتهم لعالم الأمر. وهؤلاء الملائكة كلهم على صلة باللوح المحفوظ. وفوق عالم النور، حدود المقربين والملأ الأعلى. وهؤلاء الملأ الأعلى ذوو ستة أجنحة. و يتمكنون من تفهيم عالم النور. ويتحملون أحكام عالم النور. وأحكام عالم النورهي التي ينفذها الله تعالى من العرش الأعظم. وتحت هذه الطبقة، طبقة الملائكة الروحانيين، الذين يتمكنون من فهم أحكام الملأ الأعلى. و تحته طبقة الملائكة السماوية. وهؤلاء يتمكنون من فهم و فراسة أحكام الملائكة الروحانيين. وفي المنزلة الرابعة: أدنى الملائكة الذين يستوعبون تنفيذ هذه الأحكام. ويصلون إليهم، وهؤلاء الملائكة ينتشرون على الطبقات الأرضية في كل ناحية منها.

والملائكة ذوو الأجنحة الستة (الملأ الأعلى) يستأهلون لستِّ فراسات. كل فراسة منها نور.

1.     لهم شيء من المعرفة الذاتية.

2.     لهم معرفة بالصفات.

3.     يفهمون صادر العين من عالم الأمر.

4.     يقفون على ترتيب العين وتخليقه.

5.     متمكنون من علوم مثالية عالم الإمكان أوعالم الخلق تمكناً كاملاً.

6.     يتضلعون من أجزاء عالم الخلق أو عالم الإمكان.

والملائكة الروحانيون عبارة عن ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة من الأنوار. وهم على معرفة بعالم الأمر أو عالم الخلق. والمراد بأجنحتهم الأربعة هذه الأنوار.

والملائكة السماويون يعرفون عالم الأمر، ويجتمع فيهم أنوارصادر العين، وأنوار العين. والملائكة السماويون عبارة عن مجموعة ثلاثة أو أربعة من الأنوار.

والملائكة الأدنى يتضلعون من تفهيم أجزاء عالم الأمر. وكل واحد مجموعة من المثالية والعنصرية أي الخمسة والستة من الأنوار.

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر للمسلمين، فاستجاب الله تعالى دعوته، وأوصل ـ وفقاً لنظام التكوين ـ الملأ الأعلى قبول الدعاء إلى الملائكة الروحانيين، ثم أعلن الملائكة الروحانيون قبول الدعاء إلى الملائكة السماويين. ثم قام ملائكة الدرجة الرابعة ـ الذين يطلق عليهم ملائكة العناصر ـ بتلقي هذه الأحكام، و الوقوف في وجه الكفر. وبهذا منَّ الله تعالى بالنصر والفتح. 


محمد رسول الله الجزء الثاني

خواجۃ شمس الدين عظيمي

تعني كلمة "معجزة"، فنيا، ظاهرة ميتافيزيقية يأتي بها رسول من الله للبرهنة على حقيقة معرفته النبوية.

كما أن العديد من البشر الآخرين، إلى جانب الأنبياء، قد أتوا بأعمال لها طبيعية ميتافيزيقيةوتعد العديد من الأحداث المشابهة التي تم رصدها في التاريخ دليلا على هذه الحقيقةفالأتقياء والصالحون يأتون بمثل هذه الأعمال الميتافيزيقية بغرض تحذير وإخطار وإرشاد البشروقد كتب قلندر بابا أولياء في كتابه الرائع ”لوح وقلم“:

يأتي التأثير الوصالي على ثلاثة أنواع